كيف تضمن ولاء المتبرعين وتحوّل مساهماتهم إلى شراكة دائمة؟
September 09, 2025


كيف تضمن ولاء المتبرعين وتحوّل مساهماتهم إلى شراكة دائمة؟
مدخل
في عالم المنظمات غير الربحية، التبرع ليس مجرد عملية مالية عابرة، بل هو بداية علاقة قد تتحوّل إلى شراكة طويلة المدى. المفتاح في ذلك هو رعاية المتبرعين، أي الاهتمام بهم بعد تبرعهم، وإشعارهم أن مساهماتهم تصنع فرقًا حقيقيًا.
أولًا: الفرق بين الاستقطاب والرعاية
كلاهما عنصران مكملان لبعضهما:
- استقطاب المتبرعين: يسبق عملية التبرع، ويعتمد على أساليب مثل الفعاليات، الرسائل التعريفية، والدعوات البسيطة للمشاركة، بهدف جذب داعمين جدد.
- رعاية المتبرعين: تأتي بعد التبرع، حيث تبدأ رحلة الشكر، التواصل المستمر، والتوضيح الدائم لتأثير مساهماتهم على عمل المنظمة.
الاستقطاب يفتح الأبواب، بينما الرعاية تُبقيها مفتوحة وتحوّل الزائر إلى شريك.
ثانيًا: أثر الرعاية على معدل الاحتفاظ بالمتبرعين
معدل الاحتفاظ يقيس مدى استمرار المتبرعين في دعم المنظمة عبر الزمن. حسابه بسيط: عدد المتبرعين الذين تبرعوا مجددًا ÷ إجمالي المتبرعين في العام السابق. الدراسات تشير إلى أن المنظمات تخسر كثيرًا عند اكتفاء المتبرع بتجربة واحدة، لأن تكلفة جذب متبرع جديد أعلى بكثير من الحفاظ على داعم حالي. ولذلك، فالتركيز على الرعاية يوفّر على المنظمات موارد مالية ويخلق قاعدة أكثر استقرارًا.
رغم زيادة حجم التبرعات في 2024 بنسبة 3.7%، إلا أن عدد المتبرعين انخفض بنحو 3.9% ومعدل الاحتفاظ تراجع بنسبة 4.5%. هذا يوضح أن التحدي ليس في جمع التبرعات فقط، بل في الاحتفاظ بالمتبرعين الحاليين.
🔍 إحصائية لافتةثالثًا: هرم المتبرعين كخريطة طريق
الموارد محدودة دائمًا، لذلك تحتاج المنظمات إلى أداة تحدد أولوياتها. وهنا يأتي دور هرم المتبرعين:
- القمة: المتبرعون الكبار – قلة عددهم يقابله تأثير ضخم على استدامة عمل المنظمة.
- الوسط: المتبرعون المتوسطون أو المتكررون – دعمهم يتراكم ويمنح استقرارًا، ولديهم إمكانية أن يصبحوا كبار داعمين مستقبلًا.
- القاعدة: المتبرعون الصغار أو غير المنتظمين – رغم محدودية المبالغ، إلا أنهم يشكلون قاعدة واسعة يمكن تطويرها عبر التقدير والتواصل المستمر.
- الأطراف: المشاركون والمتطوعون – لم يتبرعوا بعد، لكنهم يبدون اهتمامًا قد يُترجم لاحقًا إلى دعم مالي.
التركيز الأكبر يجب أن يكون على القمة والوسط، مع عدم إهمال القاعدة، لأنها تمثل المستقبل.
تقرير حديث بيّن أن 59% من المتبرعين المتوسطين يقدمون دعمًا سنويًا، وأكثر من نصفهم يرتبطون بالمنظمة لعشر سنوات أو أكثر، بل إن 31% منهم أضافوا المنظمة في وصاياهم.
📌 تقرير حديثرابعًا: خطوات عملية لرعاية المتبرعين
لكي تتحوّل الرعاية إلى استراتيجية فعالة، يمكن اتباع خمس خطوات أساسية:
- التقدير الفوري: إرسال رسالة تأكيد فور استلام التبرع.
- الشكر الشخصي: توجيه رسالة تحمل اسم المتبرع وتفاصيل عن أثر مساهمته.
- التحديث المستمر: مشاركة تقارير أو قصص واقعية توضح نتائج الدعم.
- الاعتراف العلني: تسليط الضوء على المتبرعين، إذا وافقوا على ذلك، عبر قنوات التواصل المختلفة.
- إعادة الدعوة للتبرع: بعد استكمال المراحل السابقة، تشجيع المتبرع على تكرار المساهمة.
هذه الدورة يمكن تكرارها مع كل تبرع جديد، لتصبح العلاقة سلسلة مستمرة من التقدير والتفاعل.
خامسًا: لماذا الرعاية أهم من مجرد جمع التبرعات؟
رعاية المتبرعين هي استثمار طويل الأجل. عندما يشعر الداعم أنه جزء من قصة النجاح، يتحول من مجرد "ممول" إلى "شريك". وهنا تصبح التبرعات أكثر استقرارًا، والولاء أقوى، والعبء المالي لجذب داعمين جدد أقل بكثير.
الخلاصة
العلاقة مع المتبرع لا تُقاس فقط بالمبلغ الذي يقدمه، بل بالمدة التي يستمر فيها بدعمه. ولذلك، فإن بناء خطة رعاية مدروسة يساعد المنظمة على تحويل التبرع الأول إلى بداية رحلة طويلة من الولاء والشراكة. فالمنظمات التي تُتقن فن الرعاية لا تجمع تبرعات فحسب، بل تبني مجتمعًا من الداعمين المستدامين، الذين يصبحون جزءًا لا يتجزأ من رسالتها وأثرها.